الهوية الإسلامية مستهدفة من يومها الأول، فمنذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ومشركو قريش والمنافقون في توافق تام لوأد هذه الدعوة، وإيقاف مدِّها، وبتعاقب السنوات، وتبدل الدول ، ازدادت الهجمة شراسة وقوة ، وبلغت هذه الهجمة ذروتها في العصر الحديث ، فلم يدخر أعداؤنا جهداً في تفريغ هذا الدين من محتواه لطمس الهوية الإسلامية والعربية، وقد سار هذا الأمر وفق منهج مرتب ومنظم نوجزه في النقاط الآتية:
1- إضعاف العقيدة، وزعزعة الإيمان.
2- التآمر على اللغة العربية.
3- تقسيم الدين إلى قشر ولُب.
4- استلاب الهوية الإسلامية وتشتيتها.
5- استقطاب المرأة المسلمة، والتغرير بها.
6- إشغال المسلمين بالترفيه والشهوات.
7- السيطرة العلمانية، والترويج لدعوى "العولمة" والتغريب.
8- الاهتمام المبالغ فيه بإحياء الأساطير الوثنية والخرافات الشركية.
9- طمس المعالم التاريخية، والحفريات التي تصحح تاريخ العقيدة.
10- النشاط التنصيري الذي يستغل الفقر والمرض.
11- استغلال العامل الاقتصادي في تذويب الهوية.
12- الحرب النفسية المدعمة بالأساليب التعسفية. (ذكرت هذه النقاط وغيرها بشيء من التفصيل في: الهوية أو الهاوية للدكتور محمد إسماعيل المقدم، ص: [31-42]).
كيف نحفظ هويتنا؟
إن موضوع الهوية وكيفية الحفاظ عليها في حاجة إلى جهود ضخمة لا يتسع مقال كهذا لحصرها، لكننا سنمر عليه مروراً سريعاً نذكر فيه رؤوس أقلام لأهم سبل المواجهة للمحافظة على هويتنا:
- فعلى المستوى العقدي:
على المجتمعات الإسلامية حكومات وشعوباً تنمية هذا الجانب، والاهتمام به ؛ لأنه الضمانة الوحيدة لبقاء واستمرارية الحياة بهذه الهوية، فجانب الدين والعقيدة بالنسبة للهوية بمثابة الروح بالنسبة للجسد، وبفقدها تتحول كل المكتسبات العلمية والثقافية والأدبية إلى نقم، ومنغصات على هذه الشعوب، وإلى معاول هدم لحضارتها.
وهذه التنمية تكون بـ"إحياء حركة تجديد الدين بالمفهوم السلفي الواضح ، لنعود إلى منابع الإسلام الصافية متمثلة في "منهاج النبوة" بعيداً عن مخلفات القرون ، والدعوة إلى حتمية الحل الإسلامي لمعضلات واقعنا الأليم ، وتحرير الهوية المسلمة من كل مظاهر الخور والتبعية والتقليد ، والقضاء على العقبات التي تحول دون تطبيق الإسلام كمنهج شامل للحياة، والتصدي لمحاولات تذويب الهوية الإسلامية، وقطع صلة الأمة بدينها" (الهوية أو الهاوية للدكتور محمد إسماعيل المقدم؛ ص: [43]).
- وعلى المستوى التأريخي:
لابد من العمل على استعادة ذاكرة التاريخ مرة ثانية للوقوف على تاريخ هذه الحضارة، وذلك لأن التاريخ عنصر مهم "من عناصر الهوية الإسلامية، ويشمل ذلك سرد الأحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية المتصلة بحقب مختلفة، وتحليلها في ضوء الدوافع والآثار والظروف الزمانية والمكانية، فقد ضمت مصادر الإسلام كثيراً من النصوص التاريخية، والغاية من التحليل استنباط العبر من النصر أو الهزيمة، والتأمل في قصور العقل البشري، فالانتصار سيظل موضع فخر الأجيال المتعاقبة، والهزيمة ستبقى محل اعتبار القرون المتوالية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها". (مقال: الفرق بين الهوية الإسلامية والهويات الأخرى د. جمال محمد الزكي).
- وعلى المستوى الثقافي:
لابد لنا من ملء الفراغ الحضاري الذي وصلنا إليه ، بتطوير معارفنا ، والعمل على استيعاب القديم بعقل منفتح ، كذلك علينا الحفاظ على اللغة الحافظة والناقلة لهذه الثقافة لأنها الضمانة الوحيدة لاستمرار هذه المكون وتطوره ، ولا بأس بعد ذلك من الانفتاح على الآخر للاستفادة من علومه ومعارفه، وهي إشكالية أوجزها الدكتور محمد عمارة في معرض حديثه عن العولمة وكيفية مواجهتها بقوله:
"لابد - في مواجهة العولمة الغربية - من التمييز في بين مستويات ثلاثة: فهناك (الإنسان الغربي) وهذا لا مشكلة بيننا وبينه ، بل إن لنا في بعض دوائره الفكرية وتياراته السياسية الكثير من التفهم والمناصر والتأييد ، وهناك (العلم الغربي) - وخاصة ثمرات إبداع العبقرية الغربية في العلوم الطبيعية وتطبيقاتها-، وفيه تتمثّل (الحكمة) التي نحن مدعوون بمعايير الدين والدنيا إلى طلبها، والتتلمذ على أهلها ، والاستلهام لحقائقها وصوابها ، وهناك أخيراً (المشروع الغربي) الذي لا نعاديه إلا عندما ينفي مشروعنا العربي والإسلامي". (مخاطر العولمة على الهوية الثقافية الدكتور محمد عمارة: ص: [44]؛ نهضة مصر للطباعة ط1- 1999م).
- ومن عوامل الحفاظ على الهوية إضافة إلى ما سبق:
تعزيز الاعتزاز بالذات، ويأتي ذلك عن طريق تنمية الثقة لدي أفراد المجتمع المسلم في أمته وحضارتها ، "فالأمة التي لا تثق بقدراتها ، ولا تقدر إمكاناتها الذاتية حق قدرها ، لا يمكن إلا أن تكون على الدوام ظلاً للآخرين ، تابعة لهم ، لا تعتمد إلا ما يقولون ، ولا تنفذ إلا ما يقررون ، وهذا هو التسول الحضاري بعينه ، الذي يُمثِّل قمة العجز والفشل والاستسلام أمام التحديات التي تواجهها". (مخاطر العولمة على الهوية الثقافية الدكتور محمد عمارة: ص: [44]؛ نهضة مصر للطباعة ط1- 1999م).
- كذلك لابد من الاستعانة بإعلام إسلامي متخصص متطور ومساير للعصر ولروح الشريعة في آن واحد ، لمزاحمة الإعلام الموجه المسيطر على كافة الجوانب الحياتية في عالمنا العربي والإسلامي ، حيث صار إعلامنا في ظل هذه العولمة أو بالأصح الأمركة لا يبث إلا ما يخدم أهداف المشروع الغربي ، حتى أصبح من الصعب التفرقة بين قنواتنا بما تحمله من محتوى إعلامي ، وبين القنوات التي تبث من دول الغرب.