الفيلم المسيء الذي نشر هذه الأيام ينطلق من خلفية دينية عنصرية متعصبة مقيتة لأنه يتعمد الإساءة البشعة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والادعاء عليه بما ليس فيه مطلقا، والإساءة تمتد إلى الإسلام والمسلمين فى كل أنحاء الأرض وجرح مشاعرهم ولذلك فإن غضبهم مشروع لكن من دون عنف، فلم يكن الإسلام يوما دين عنف كما يزعم الأعداء.
لا مجال هنا للقول إن هناك جهلا بالإسلام وبنبيه من جانب طاقم الفيلم، لأن الجاهل يسأل ويقرأ قبل أن يخطط وينفذ، والجاهل لا يقدم على فعل شيء لا يعرف عنه شيئا. ولا مجال للقول إنه رؤية سياسية لأن الفيلم يخلو من أى رؤى، بل هو وصفة بذاءة وصناعة كراهية ممجوجة، والرؤية السياسية تناقش بهدوء وبأدب وبعقل وبإيجابية حتى يتجاوب معها الآخر المستهدف بالرسالة.
أين الرؤية فى عمل عدائى يطعن فى الرسول وفى دعوته ويصمها بالعنف والإرهاب ولا يترك قذارة إلا ويلصقها بالدين العظيم وبنبيه الكريم، وهذا مما لم يقله صناديد قريش الذين ناصبوا محمدًا العداء عندما صدع بدعوته.
الطعن فى الإسلام لم يتوقف يوما ولن يتوقف من ضيقى الأفق والحاقدين والكارهين والمتعصبين لكن أن يصل الأمر إلى تلك الوقاحات المتعمدة فى الدنمارك بالرسوم المسيئة، وفى أمريكا بحرق القرآن، ثم بذلك الفيلم، بجانب كثير من الأفعال الأخرى المشينة مما تضيق المساحة عن رصدها فإن ذلك التصعيد يحتاج إلى موقف إسلامى جاد وشامل لمواجهة حرب الكراهية أو "الإسلاموفوبيا" التى بدأت تدخل فى مناطق شديدة الخطورة بحصر المسلمين من دون أمم العالم فى زاوية واحدة ووحيدة وهى أنهم إرهابيون يتبعون دينا يحض على العنف والقتل وأن نبيهم هو قائدهم فى ذلك.
والمستهجن فى "الإسلاموفوبيا" أن من يخترعها ويروج لها ويجعلها مقصلة لذبح المسلمين هو الغرب فى الزمن الذى يتفاخر فيه هذا الغرب بأنه صانع حضارة ورائد التحضر واحترام الإنسان وقيمه وحقوقه وثقافته وخصوصياته، الغرب الذى يعايرنا بالتخلف هو من يعود إلى مخلفات التاريخ وقصصه المختلقة ليعيد إنتاجها بشكل عصرى لنشر الكراهية والفتن بين الشعوب والأمم.
هناك عداء قديم مع الإسلام وصل درجة الاستئصال فى الأندلس، وسفك دماء غزيرة فى الحروب الصليبية، ثم استعمار واحتلال بلاد المسلمين فى العصر الحديث، لكن أن تتواصل الجرائم الفكرية والثقافية فى حق أمة كبيرة فى عصر التلاقى والتقارب والتحاور والتعايش وفى عصر الأنوار التى يتفاخر الغرب بأنه يحمل مشاعلها فهذا هو الأمر العجيب، وهذا يعنى أن الإنسان مهما تطور وتقدم وتأنسن فإنه يبقى رهينة لخرافات وخزعبلات وظلامات الماضى بدليل كل تلك الكراهية على أوراق الصحف والشاشات والمؤتمرات والمنتديات والمواقع ضد الإسلام والمسلمين.
لو كان هذا الفيلم "الساقط" ينتقد سلوكيات بعض المسلمين أو جماعات منهم تنتهج العنف لكان الوضع مختلفا لكن أن يتم استهداف الإسلام من جذوره وفى شخص رسوله فتلك هى كارثة الغرب وعقله وفكره وسياساته وساسته وحكوماته التى تسبغ مشروعية على أى قاذورات تستهدف الدين تحت عنوان حرية الرأى والتعبير، أسفل هذا العنوان العريض البراق يتاح لكل مشعل حرائق ارتكاب أبشع الجرائم فى حقنا، بل ويتم توفير الحماية القانونية والسياسية له.
ولذلك يبدو مستهجنا قول وزيرة خارجية أمريكا إن واشنطن لا تستطيع فعل شيء لصناع الفيلم بسبب الحرية التى تمنعها عن التصدى لهم، وسؤالنا لها: وماذا لو كان هذا الفيلم ضد المحرقة الهتلرية، هل كانت أمريكا ستقف عاجزة أيضا، أم سيكون هناك استنفار عام ضد العمل بمنعه وتقديم صناعه للمحاكمة وسجنهم؟
هل من المقبول أن تكون الذات الإلهية والأديان والرسل مستباحون إلى هذا الحد فى الغرب بينما الحقوق الفردية مصانة ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها؟ هذه حرية معوجة، بل إن الحرية ذاتها تخجل من ذلك التناقض غير العقلانى ولا الطبيعى فى مفهومها ومضمونها.
إذا كنتم لا تبالون بأديانكم، فنحن نبالى بديننا وندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة ووسائل مشروعة، كما نحترم الأديان الأخرى والمؤمنين بها ولا نمسسها بسوء.
الغرب صنع حضارة تستفيد منها البشرية كلها لكن ما قيمة حضارة بدون قيم وأخلاق؟
الانحدار الأخلاقى سيقود الغرب وحضارته إلى هاوية سحيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طه خليفة "المصريون"
- التصنيف:
خواطـر دعوية