الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اشتروا أنفسكم من الله

اشتروا أنفسكم من الله

اشتروا أنفسكم من الله

قال تعالى: {مِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}[(البقرة: )، وكان المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ينادي عَشِيرَتَه الأَقْرَبِينَ وأهله الأدنين، حتى على فلذة كبده وثمرة فؤاده [اشترُوا أنفسَكُم من اللهِ] ففي صحيح البخاري: [يا بني عبدِ مناف، اشترُوا أنفسَكُم من اللهِ، يا بني عبدالمطلب، اشتروا أنفسكم من الله، يا عمَّة رسولِ الله، يا فاطمة بنت محمد، اشتريا نفسيكما مِنَ اللهِ، لا أملِكُ لكُما من الله شيئاً]. وخرَّج الطبراني بسند ضعيف من حديث ابن عباس مرفوعاً: [مَنْ قال إذا أصبح: سبحان الله وبحمده ألفَ مرَّة، فقد اشترى نفسه مِنَ الله تعالى، وكان من آخر يومه عتيقاً مِنَ النَّار].

هذا وقد اشترى جماعةٌ من السَّلف ـ رضي الله عنهم ـ أنفسَهم من الله ـ عز وجل ـ بأموالهم، وآخرون بأعمال صالحة، فمنهم من تصدَّق بماله كحبيب أبي محمد، ومنهم مَنْ تصدَّق بوزن جسمه فضة ثلاثَ مرَّاتٍ أو أربعاً، كخالد الطحَّان.

ومنهم من كان يجتهد في الأعمال الصالحة ويقول: إنَّما أنا أسيرٌ أسعى في فكاك رقبتي، منهم عمرو بنُ عُتبة، وكان بعضُهم يسبِّحُ كلَّ يوم اثني عشر ألفَ تسبيحة بقدر دِيَتِه، كأنَّه قد قتل نفسه، فهو يَفْتَكُّها بديتها.

قال الحسن البصري: المؤمن في الدنيا كالأسير، يسعى في فكاك رقبته (نفسه)، لا يأمنُ شيئاً حتّى يلقى الله عز وجل. وسئل معاذ ـ رضي الله عنه ـ متى يأمن المؤمن؟ قال: إذا خلف جهنم وراءه.
قال الحسن: ابنَ آدم، إنَّك تغدو أو تروحُ في طلب الأرباح، فليكن همُّك نفسَك، فإنَّك لن تربح مثلها أبداً.
قال أبو بكر بن عيّاش: قال لي رجل مرَّة وأنا شابٌّ: خلِّص رقبتَك ما استطعتَ في الدنيا من رقِّ الآخرة، فإنَّ أسيرَ الآخرةِ غيرُ مفكوكٍ أبداً، قال: فوالله ما نسيتُها بعد.
وكان بعضُ السَّلف يبكي، ويقول: ليس لي نفسان، إنَّما لي نفسٌ واحدةٌ، إذا ذهبت لم أجد أخرى.
وقال محمد بن الحنفية: إنَّ الله ـ عز وجل ـ جعل الجنَّة ثمناً لأنفسكم، فلا تبيعُوها بغيرها. وقال: من كرمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قدر. وقيل له: من أعظمُ الناس قدراً؟ قالَ: من لم يرَ الدُّنيا كُلَّها لنفسه خطراً.
وأنشد بعضُهم:
أثامِـن بالنـفس النفيــسةِ ربَّــهــا *** ولَيسَ لها في الخــلق كُلِّهم ثَمَـنْ
بها تُملك الأخرى فإنْ أنا بِعتُهَا *** بشيءٍ من الدُّنيا، فذَاكَ هُوَ الغَبَنْ
لَئِنْ ذَهَـبَتْ نفـسي بدُنيا أُصيبُها *** لقَدْ ذَهَبَتْ نفسي وقد ذَهَـبَ الثَّمنْ

إن من عزت عليه نفسه وكرمت، لا يبخسها حقها، ولا يقبل الغبن فيها، ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام.
روي أن الأنصارَ ـ رضي الله تعالى عنهم ـ عندما بايعوه عليه الصلاة والسلام عند العقبة، قال عبدُاللَّه بنُ رواحةَ رضي الله تعالى عنه: اشترِطْ لربك ولنفسك ما شئت. قال عليه الصلاة والسلام: [أشترطُ لربي أن تعبُدوه ولا تشرِكوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون به أنفسَكم]، قال: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: [لكم الجنة]، قالوا: ربِحَ البيعُ، لا نُقيل ولا نستقيل.

هذا وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهو وحده العاصم من الزلل والخلل والخطأ والخطل في القول والعمل.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

اقرأ في إسلام ويب

إبراهيم النخعي فقيه العراق

إبراهيم بن يزيد النخعي أحد الأئمَّة المشاهير، وهو تابعي من رواة الحديث النّبويّ الشّريف. كانّ من أكثر الفقهاءِ...المزيد