الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حراس اللغة

حراس اللغة

حراس اللغة

تتميز لغة الشعر بخصلتين، أولاهما استخدام المفردة على أصالتها انطلاقاً من المعنى الذي وضعت له في جذرها قبل أن يدخلها التحول والاصطلاح، وهو ما يسميه النقد القديم "جزالة اللفظ" ويسميه النقد الحديث "أصالة" اللفظ، فدرجة سمو اللفظ الشعري تقاس بدقة استخدام صاحبه للكلمات بالانطلاق من معانيها الأصيلة، سواء كان ذلك عند استعمالها على الحقيقة أو حين يستعملها على المجاز، فهو دوماً ينظر إلى الجذر، ويقيس عليه، وهذا ما تتفق عليه معايير النقد القديم والحديث

والخصلة الثانية هي سلامة التركيب النحوي، فالشاعر ينظم قصيدته على السليقة النحوية التي يكون قد اختزلها في إدراكه، وتشبعت جوارحه بها كما يختزل الإيقاع والصورة، لكن طابع النحو العام هو الثبات، بينما ميزة الصورة والموسيقا التحول، ولهذا فإن ما يطالهما من التحول الإبداعي لا يطاله بالطريقة نفسها ولا بمقدار السرعة .

في أوقات الضعف، واستشراء الجهل، تختلط لغة الشعر بلغة الحياة اليومية، وتنحدر الألفاظ إلى الهجنة العامية، لكن سرعان ما يبرز شعراء يستلون المفردة الشعرية من ذلك المستنقع ويعيدونها إلى معدنها الأصيل، وإلى صفاء الاستعمال وفصاحته، وتاريخ الشعر شاهد على ذلك خصوصاً بالنظر إلى عصر الانحطاط الذي انحطت فيه الكلمة إلى درجة السوقية، ثم جاء شعراء النهضة الذين خلصوا المفردة الشعرية من علائق ذلك الزمن وصفّوها بغربال الأصالة، وحتى في العصر الواحد يبقى التمييز واضحاً بين هذين النوعين من الشعراء، فلا تخطئ المرء ذلك الصفاء في ألفاظ الشعراء الكبار في عصرنا الذين حذقوا استعمال المفردة، بينما يتخبط الكثير من كتاب الغثاء في وحل ألفاظ ولا يدركون معناها .

بالنظر إلى تينك الخصلتين يمكن القول إن الشاعر هو حارس اللغة الأمين على معدنها، ونقاء ألفاظها، يتعهّدها من حقبة لأخرى فينفض عنها ما يعلق بها من غبار الاستعمال الشعبي، والاصطلاح العلمي والفكري، لتبقى دوماً مربوطة بصفائها الأول، ولا يتميز بهاتين الخصلتين إلا الشعر وحده، فالنثر على مر الزمن يدخله الاستعمال الشعبي والمصطلح العلمي، والخطأ النحوي، ولذلك ففي الرواية يتقبل النقاد استعمال الحوار بالعامية، بينما لا يمكن قبول حوار شعري بالعامية ضمن قصيدة فصيحة، كما أن الكاتب الروائي، يمكن أن يدفع روايته لمدقق لغوي يتعقبها بالتصحيح، ولا يمكن لأي شاعر حقيقي أن يعطي قصيدته لمدقق، لأن البنية النحوية ركن أساسي في الشعر، تسهم في صناعة إيقاعه ودلالته، ولا يصلح لأن يكون شعراً من دونها، بينما في الرواية كما في سائر القول يعدّ النحو آلة للفهم وليس ركن إبداع .

لا يعني ارتباط الشعر بهاتين الخصلتين جموداً وعدم قدرة على الإبداع، فالمعنى الأصيل كالمادة الخام يمكن أن تشتق منه كثير من المعاني والأبنية الصرفية الجديدة، كما أن بنية النحو فيها من الاحتمالات والاختيارات والجوازات ما يفتح الباب على مصراعيه للابتكار وصناعة الأساليب، هذا إلى جانب وجود معين الإبداع الحقيقي في الشعر الذي هو الصورة والإيقاع .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

ثقافة و فكر

كيف نقف خلف اللغة العربية؟!

إنَّ المتتبِّعَ لكلِّ من كتَبَ عن وقائعِ أمَّتنا في العصْرِ الحديث، يدركُ أنَّ الأمَّةَ العربيَّةَ لم تَعرِفْ...المزيد