"إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ.. الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ"...
كلمة قالها النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس؛ المنذر بن الأشج العصري، سيد قومه، وسبب إسلامه كان زوج ابنته منقذ بن حبان رضي الله عنه حين قدم المدينة بتجارة له، فكلمه النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن قومه وأشرافهم، رجل رجل بأسمائهم، فأسلم وحفظ من القرآن.
فلما عاد اطلعت عليه امرأته - وهي بنت المنذر - وهو يصلي ويقرأ، فقال لأبيها: أنكرت زوجي منذ قدم من يثرب أنه يغسل أطرافه، ويستقبل الجهة (تعني القبلة) ويحني ظهره مرة ويضع جبينه مرة، فكلمه أبوها المنذر وتحاورَا، فوقع الإسلام في قلبه فأسلم.
فثار إلى قومه " عصر ومحارب " بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه عليهم، فوقع الإسلام في قلوبهم فأسلموا، وأجمعوا القدوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، ولما دنا الوفد من المدينة قال النبي صلى الله عليه وسلم لجلسائه : "أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق، وفيهم الأشج العصري غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين؛ إذ لم يسلم قوم حتى وتروا – أي : أصيبوا – بقتل أو أسر".
فلما وصلوا المدينة بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام الأشج عند رحالهم فجمعها وعقل ناقته، و لبس أحسن ثيابه، ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقربه النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه، وقال له فيما قال :"إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ".
تأخر الأشج ومع ذلك سبق، وبادر قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك أجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأشج إلى جانبه؛ لأنه الحليم العاقل المتأني المتثبت غير المتعجل.
فهل نتعلم الخصال التي يحبها الله في البشر وفي المؤمنين خصوصا ؟وهل نطبق ذلك في حياتنا وقراراتنا ومصير أمتنا ؟
إن المنازل عند الله لا تحددها المواقف الهوجاء، ولا العواطف الثائرة، بقدر ما يكتبها الله لمن اتصف بما يحبه سبحانه من قول وعمل وصفة ، وإنما المسابقة التي لا يفرط فيها المؤمن هي إلى طاعة لله ورسوله بينة لا اختلاف فيها، وليس من التعقل لمن يقود سيارة في ضباب (شبورة) أن يجري بأقصى سرعة بزعم أنه يحب الوصول إلى الهدف مبكرًا، ربما سقط في هاوية، ربما اصطدم بصخرة أو حائط ، ربما كسرت سيارته في وهدة من وهاد الطريق، وإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرًا أبقى (المنبت الذي يكثر ضرب جواده ليسير حتى يموت الجواد).
بل العقل أن يتمهل الإنسان ويستبصر ولا يقدم على أمر إلا بعد دراسة ونظر، ومن كان ضعيف البصر أو البصيرة استبصر برأي من معه من ذوي البصر والبصيرة.. والله غالب على أمره ولكن أكثرالناس لا يعلمون.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ ياسر برهامي