صفات المهدي من خلال النصوص الشرعية
للمهدي صفاتٌ شخصيّة، وأوصافٌ خلقيّة، وأعمال ومهام يقوم بها أيّام خلافته، وتلك المسائل يمكن معرفتها من خلال تتبّع النصوص النبويّة الصحيحة الواردة في شأنه، ونجملها فيما يلي:
أولاً: الاسم واللقب: أما اسمه فيواطئ اسم النبي -صلى الله عليه وسلم-، واسم أبيه كاسم والد النبي عليه الصلاة والسلام، جاء ذلك في عدد كبير من الآثار الصحيحة منها ما رواه أبوداوود والترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهلي يواطىء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي)، وقد صحح هذا الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة، وابن القيم في المنار المنيف.
ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام (يواطيء اسمه اسمي) أي يوافق، لأن المواطأة هي المشابهة والموافقة .
ومقتضى ما سبق: أن يكون اسم المهدي محمد بن عبدالله، على الحقيقة، وعلى وجهٍ لا يقبل التأويل أو ادعاء المجاز، فلا يمكن أن يكون اسمه المنصور أو زيد أو عمر أو غيرها من الأسماء التي تسمّى بها أدعياء المهدويّة على مرّ العصور.
أما لقبه فأول ألقابه وأظهرها هو المهدي، وقد لقبه بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (يخرج في آخر أمتي المهدي) رواه الحاكم في المستدرك وصححه الإمام الذهبي، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن في أمتي المهدي) رواه الترمذي في السنن وأحمد في المسند، وقوله عليه الصلاة والسلام (المهدي منا أهل البيت) رواه ابن ماجة، وابن أبي شيبة في مصنفه، وصححه الشيخ أحمد شاكر.
والباعث على تلقيبه بذلك بيان هدايته من الله تعالى وتوفيقه له، ولم يحظ بهذا اللقب من الخلفاء صراحةً سوى الأربعة الراشدون المذكورون في قوله عليه الصلاة والسلام: ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) رواه أصحاب السنن عدا النسائي وأخرجه الإمام أحمد.
وقد اصطلح علماء أهل السنة بتسميته المنتظر، فيقولون: المهدي المنتظر؛ أخذاً بمفهوم حديث: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهلي) والذي مرّ معنا آنفاً، وقد وردت هذه التسمية عن جملة من العلماء، منهم الإمام الأسفراييني، وابن حزم الأندلسي، والإمام الذهبي، وابن تيمية وابن القيم وغيرهما من علماء أهل السنة، والمقصود بأن الأمّة تنتظرخروجه آخر الزمان تصديقاً لصحّة الأحاديث المتعلّقة به، وإيماناً لا مَنزِع فيه للاتكال الباطل والقعود عن مناصرته وتهيئة الأمور له كما يفعل الجهّال.
ومن ألقابه: القائم، باعتبار أنه سيقيم شرع الله سبحانه وتعالى وجاءت هذه التسمية عن الإمام البربهاري في شرح السنة بقوله: "والإيمان بنزول عيسى بن مريم عليه السلام، ينزل فيقتل الدجال ويتزوج ويصلي خلف القائم من آل محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويموت ويدفنه المسلمون"، وكذا عن الإمام ابن حجر الهيتمي حيث قال في معرض كلامه عن المهدي: "جعل الله القائم بالخلافة الحق عند شدة الحاجة إليها من ولده ليملأ الأرض عدلا".
ويجدر التنبيه إلى أنّ البعض يظنّ أن المهدي المنتظر له لقبان آخران هما: النفس الزكيّة، والسفياني، وعلى الرغم من عدم وجود ما يصحّ في هاتين التسميتين والرويات الواردة في ذلك، تشير إلى أنهما شخصيّتان مختلفتان تماماً عن المهدي المنتظر، أما السفيانيّ فنجد أن الرواية تقول: (يخرج السفياني والمهدي كفرسي رهان) رواه نعيم بن حماد في الفتن، وأما النفس الزكيّة ففي الرواية ما يشير إلى التباين: (المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية ; فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض , فأتى الناس المهدي) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنّفه. وقد علل العلماء هذه الروايات.
ثانياً: المهدي المنتظر يكون من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن سلالته، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة) رواه ابن ماجة، وابن أبي شيبة في مصنفه، وصححه الشيخ أحمد شاكر.
ثالثاً: المهدي المنتظر يكون من ولد فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فعن أم سلمة رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة) رواه أبو داوود ، والعترة هم أولاد الرجل من صلبه كما قال الإمام الخطّابي.
رابعاً: من صفات المهدي المنتظر أنه أجلى الجبهة، أقنى الأنف. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلا ً كما مُلئت جوراً وظلماً) رواه أبو داوود، والحاكم وجوّد إسناده الإمام ابن القيم.
ومعنى أجلى الجبهة: منحسر الشعر عن مقدّم الرأس أو بمعنى : واسع الجبهة، ومعنى أقنى الأنف: دقيق الأنف، وعلماء السير يذكرون هاتين الصفتين في النبي –صلى الله عليه وسلم-، فيذكرون أنه رحب الجبهة أو أجلى الجبهة، وأنه أقنى الأنف، وإذا صحّ ذلك دلّ على أن المهدي المنتظر قد وافق شيئاً من صفات النبي عليه الصلاة والسلام الخَلْقيّة.
خامساً: المهدي المنتظر يصلحه الله في ليلة، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة) رواه ابن ماجة، وابن أبي شيبة ، وصححه الشيخ أحمد شاكر.
والمقصود بأن الله يصلحه في ليلة أحد أمرين:
الأول: أن يهيئه الله تعالى للخلافة واستلام زمام الأمور في ليلة واحدة، ويهيّء له من الأعوان من ينصرونه، ويقيمون سلطانه، ويشيدون أركانه، يقول الملا علي القاري: "يصلح أمره ويرفع قدره في ليلة واحدة، أو في ساعة واحدة من الليل; حيث يتفق على خلافته أهل الحل والعقد فيها".
الثاني: أن يكون متلبّساً بشيء من النقاص واقعاً في التقصير، فيهديه الله تعالى ويرشده في ليلة واحدة، يقول الإمام ابن كثير: "يصلحه الله في ليلة واحدة، أي: يتوب عليه، ويوفقه، يلهمه رشده، بعد أن لم يكن كذلك"، وليس هذا المعنى بممتنعٍ ، فكم من الناس كانوا ضلاّلاً مقصّرين في جنب الله تعالى، فتنزّلت عليهم الهداية وانقلبت حالهم فجأة، ثم صاروا بعدها من أعلام المسلمين وأئمتهم.
سادساً: قبل زمن المهدي يسود الأرض الظلم والجور ، بحيث يكون صورةً عامّة وانطباعاً سائداً، فيملؤها بعد خلافته قسطاً وعدلاً يدلّ على ذلك الحديث الذي رواه بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهلي.. يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) الحديث.
فالمهدي بنصّ هذا الحديث وغيره سيحكم بالعدل والقسط، حكماً مستمّداً من الكتاب والسنة، لا قانوناً وضعيّاً أو شريعة أرضيّة، ممتثلاً في ذلك قوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} (المائدة: 49)، وقوله تعالى : {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} (الحديد:25).
سابعاً: خلافة المهدي تكون على منهاج النبوة، فعن بشير بن سعد رضي الله عنه أن قال : رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضّا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبريّة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) ثم سكت، رواه أحمد والبزّار والطبراني.
ثامناً: المهدي هو الرجل الذي يبايع له بين الركن والمقام، فعن أبي قتادة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يبايع لرجلٍ بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلّوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجيء الحبشة فيخرّبونه خراباً لا يعمر بعده أبداً، هم الذين يستخرجون كنزه) رواه أحمد، وابن حبان وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر.
تاسعاً: الجيش الذي يُخسف به هو الجيش المحارب للمهدي، وردت هذه الصفة في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (العجب أن ناساً من أمتي يؤمّون هذا البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم، يهلكون مهلكاً واحداً، ويصدرون مصادر شتّى، يبعثهم الله عز وجل على نيّاتهم) رواه البخاري ومسلم واللفظ له، ومثله حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يعوذ عائذ بالبيت، فيُبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم)، فقلت يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال: (يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته) رواه مسلم.والمعنى أن الجيش الذي سيقصد المهدي قد جمع الأخيار والأشرار، فيُخسف بهم جميعاً ، لكن مآلاتهم حينما يُبعثون مختلفة، على حسب نياتهم من الخروج، وعلى حسب أعمالهم.
عاشراً: مدة ملك المهدي سبع أو ثماني أو تسع سنوات على اختلاف الروايات، والعمدة في الباب حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (يخرج في آخر أمتي المهدي، يعيش سبعاً أو ثمانياً -يعني حِجَجاً-) رواه الحاكم وصححه الذهبي .
والمقصود بالحِجَج: السنوات.وفي رواية أخرى مذكورة عنه وفيها: (إن في أمتي المهدي، يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً) رواه الترمذي وأحمد .
الحادي عشر:حتمية خروج المهدي ، وأن خروجه يكون في آخر الزمان، أما الثانية فنستفيدها من قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: (يخرج في آخر أمتي المهدي) رواه الحاكم وصححه الذهبي، وأما الأولى ففي قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهلي يواطىء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي) رواه أبوداوود والترمذي، والمقصود الإخبار بتحقق وجوده وأن خروجه أمر لابد منه، وليس بيان أن مدته بعض يوم.
الثاني عشر: خلافة المهدي تمتاز بكثرة الخير والبركات ونزول القطر من السماء، وكثرة الماشية، وإخراج الأرض نباتها، والفائض الكبير في المال، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويُعطى المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة) رواه الحاكم وصححه الذهبي .
وقوله عليه الصلاة والسلام: (تعظم الأمة) أي: تنعم في ولايته نعمةً لم تنعمها قط، ويكون لها مكانة في الأمم، وجاء في رواية أخرى: (إن في أمتي المهدي، يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً ، فيجيء إليه رجل فيقول: يا مهدي، أعطني أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله) رواه الترمذي وأحمد ، وهذه البركات في الأرزاق والأقوات من ثمار العدل في الحكم والقسط بين الناس، والتي تمكنه من تجاوز الأزمات الاقتصاديّة التي تشكو منها الحضارات في العادة ليحقّق الرخاء الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي، والإنتاج الزراعيّ .
الثالث عشر: ظهور المهدي يتبعه الآيات العظام، يدلّ عليه قوله -صلى الله عليه و سلم-: (يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، الساعة يومئذ أقرب للناس من يدي هذه من رأسك) رواه الحاكم وصحّحه.
الرابع عشر: في عهد المهدي ينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي ورائه، قال -صلى الله عليه وسلم- : (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة) رواه مسلم، ومقتضى ذلك أن الدجال يخرج في عصره، لأن عيسى ينزل فيقتل الدجال كما صحّت بذلك الأحاديث.
وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف المهدي دلالةٌ على اتباعه لهذا الدين، وعلى خاتمية الإسلام وإكمال الرسالة والنبوة، الأمر الذي يتضمّن بطلان ما جاءت به بعض النحل الضالّة كالقاديانيّة والبهائيّة والعنسويّة وغيرها ممن حاولوا ادعاء نبوّةٍ بعد محمد –صلى الله عليه وسلم- وأن باب النبوّة لم يُختم، وما استتبعه من تبديل الدين، والمساس بعقيدة المسلمين.