كثيرة هي العوامل التي سهّلت توقيع الاتفاق بين فتح وحماس في القاهرة، لعل في مقدمتها الأجواء السياسية الجديدة في مصر بعد الثورة، والتي تضع نصب عينها استعادة الدور المصري ومعه ثقة الشارع المصري والعربي بالقيادة الجديدة، وليس الحصول على رضا الولايات المتحدة الذي لا يتأتى من دون رضا الدولة العبرية.
لا يعني ذلك أن بنود المصالحة خدمت حماس أكثر من فتح كما يمكن أن يرد إلى ذهب البعض بناء على المعطى المصري المشار إليه، إذ أن سلطة عباس هي الأكثر حاجة للاتفاق تبعاً لفشل المفاوضات من جهة، وبعد فضيحة وثائق التفاوض من جهة أخرى، فضلاً عن الاستجابة لواقع ما بعد الثورات العربية، وربما الحاجة إلى الوحدة من أجل مشروع الاعتراف بالدولة في الأروقة الدولية.
حماس التي تورطت في انتخابات أوسلو وتالياً الحسم العسكري الذي جعلها تتفرد بحكم القطاع، لم يكن بوسعها تجاهل واقع الحصار المفروض عليها، لاسيما أن اتفاق المصالحة لن يؤثر جوهرياً على سيطرتها على القطاع، أقله في البداية، كما لم يكن بوسعها تجاهل واقع الارتباك الذي أصاب حاضنتها السورية، والأهم سعيها إلى تخفيف الضغط الرهيب على فرعها في الضفة الغربية، من دون أن نتجاهل الأمل لدى قادتها بإمكانية تغيير المسار الفلسطيني من خلال التوافق.
أيا يكن الأمر، فقد تم توقيع الاتفاق المبدئي، ما يطرح سؤال التنفيذ، ومن ثم تطورات الوضع الفلسطيني في حال نجاح الاتفاق وتجاوزه المحطات الصعبة التالية، حيث يعرف الجميع أن شياطين كثيرة ما زالت كامنة في التفاصيل، ويمكن لأي منها أن يُفشل الاتفاق ويعيد الوضع إلى نقطة الصفر، ولا ننسى أن الضغط الخارجي (الأمريكي الغربي الإسرائيلي) قد يعوق التنفيذ في ظل سؤال بالغ الأهمية حول قدرة قيادة السلطة على تجاوز الضغوط وفك الحصار الأمني والسياسي حول حماس في الضفة الغربية في ظل العقيدة الأمنية للأجهزة التي شكلها الجنرال دايتون، ويشرف عليها تالياً الجنرال مايكل مولر. ونعلم بالطبع أن الشرط الأساسي لتغيير الموقف الغربي هو اعتراف حماس بشروط الرباعية، الأمر الذي ترفضه الحركة.
ربما كانت صيغة الحكومة المستقلة التي تشكل بالتوافق معقولة إلى حد كبير، لكن سؤال الاستقلالية في الواقع الفلسطيني يبقى ملتبساً إلى حد كبير، وقد يمضي وقت طويل قبل أن يجري الاتفاق على تشكيل تلك الحكومة، لاسيما أن قيادة السلطة قد ترى أن صفة الاستقلال تنطبق على سلام فياض الذي يحظى برضا الغرب لجهة مواقفه السياسية، إلى جانب حرصه على ألا يذهب المال نحو أي مسار يمكن أن يخدم برنامج المقاومة، أية مقاومة.
نأتي هنا إلى أهداف كل طرف من توقيع الاتفاق، إذ أن ما يريده محمود عباس هو حكومة مستقلة لا تؤثر على موقف الغرب من السلطة، لاسيما حين يقنعهم بأن ما يجري هو مؤقت «عمره عام واحد» وصولاً إلى الانتخابات التي يعتقد أن حركته ستكسبها بالتحالف مع الفصائل الأخرى باستثناء حركة الجهاد التي ستصر على المقاطعة كما تشير سياستها المعروفة. وبعد ذلك ستعود القوس إلى باريها وستستعيد حركته ما فقدته من شرعية مطلع العام 2006.
حماس بدورها تعتقد أن بوسعها تكرار نجاحها السابق إذا تغير الوضع في الضفة الغربية، كما تعتقد أن انتخابات المجلس الوطني ستمنحها فرصة أكبر للفوز هي التي تحظى بحضور أكبر بين فلسطينيي الشتات قياساً على حركة فتح التي لا تبدي خارج سياق التصريحات الرسمية حرصاً على حق العودة، بدليل وثائق التفاوض التي اعترف القوم بصحتها.
والحال أننا إزاء خيارين كلاهما سيئ، ذلك أن فوز فتح سيؤكد المسار البائس القائم، بينما سيعيدنا الاحتمال الآخر إلى مسلسل الحصار الذي تابعناه بعد انتخابات مطلع 2006، والحل برأينا هو الاكتفاء بانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج (ينبغي أن توافق الدول المستضيفة للاجئين عليها إذا صح عزمها على مواجهة التوطين)، وذلك من أجل إعادة تشكيل منظمة التحرير كقيادة لكل الفلسطينيين، بينما يستمر التوافق في الداخل على حكومة مستقلة تدير حياة الناس من دون تدخل في الشأن السياسي (هو حل لرفض الكثيرين فكرة حل السلطة).
منظمة التحرير بعد إعادة تشكيلها ستكون مؤهلة لتحديد مسار الفلسطينيين، وهو مسار لا ينبغي ولا يتوقع أن يغادر مربع المقاومة، سواءً أكانت شاملة وبما هو متاح، أم سلمية أم تجمع السلمي إلى المسلح الذي يستجيب لما يعرف بالشروط الدولية، والهدف الذي يمكن أن يطرح هو انسحاب إسرائيلي من أراضي الـ 67 بدون قيد أو شرط كمقدمة للتحرير الشامل، وهو هدف لن يكون صعب المنال في ظل التطورات التي نتابعها في المنطقة، وهي تطورات ستمنح الشعب الفلسطيني دعماً استثنائياً من قبل الشعوب العربية، ومن قبل الأنظمة استجابة لضغوط جماهيرها.
إذ لم يحدث ذلك فنحن إزاء رحلة عبث جديدة، حتى لو كانت بدون انقسام، إذ ما جدوى الوحدة على خط سياسي خاطئ ؟! وقد مر على الفلسطينيين وقت طويل لم يكونوا منقسمين على النحو الحالي، لكنهم أيضاً لم يكونوا متوحدين على مسار مقنع وقادر على تحقيق الانتصار، مع فارق أن الأجواء العربية والدولية هذه الأيام هي الأفضل من دون شك.
ـــــــــــــــــــــــــ
الدستور الأردنية