الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المدافعة الثقافية

المدافعة الثقافية

المدافعة الثقافية

تعوّدنا أن نتحدث كثيراً عن الصراع الحضاري بين الأمم، وأنا شخصياً لا أرتاح لهذا المصطلح، وذلك لأنّ الواقع يشهد بأنه ليس هناك اليوم سوى حضارة واحدة هي الحضارة الغربية.
فالنظم المعمول بها في كل مجالات الحياة أو معظمها ليست نظماً موروثة من الحضارة الإسلامية أو الفارسية أو الهندية أو الصينية... إن هذه الحضارات قد كفّت منذ زمن بعيد عن مد الحياة المعاصرة بالنظم والآليات والأدوات.. التي تنعشها، أو تغيّر في توجّهها؛ لكن لا يمكن القول: إن العالم يشهد صراعاً ثقافياً مدنياً؛ إذ إن (الثقافة) بوصفها أسلوب حياة ستظل موجودة في كل شبر
مسكون من الأرض، وستظل أجزاء منها موضع إعجاب وتقدير من قبل أصحابها.

و منذ ما يزيد على خمسة قرون، والغرب يعمل على تعزيز إنتاجه الثقافي وتطوير إمكاناته العلمية والتقنية، إلى أن صارت حضارته وثقافته هي المهيمنة على معظم بقاع الأرض. وقد استخدم الغربيون نفوذهم وإمكاناتهم العسكرية في إخضاع الكثير من الشعوب في آسيا وإفريقية وأمريكا اللاتينية، ثم وجدوا أن الهيمنة الثقافية أفضل جدوى وأقل تكلفة، فأنهوا وجودهم العسكري في معظم البلدان و أخذوا في تدعيم نفوذهم السياسي والاقتصادي والثقافي، وما زالوا مستمرين في ذلك حتى اليوم
.
إن من المهم أن ندرك أنه على
مدار التاريخ كانت الأمم التي تمسك بزمام الحضارة هي التي تضع شروط النهضة، وهي التي تبلور مواصفات الثقافة المطلوبة للتقدم، وقد فعلنا هذا حين كانت الحضارة الإسلامية حية ومزدهرة ورائدة، فنشرنا الخير وأسسنا العدل في الأرض .
ومن هنا فإن الغرب هو الذي يُنَظِّر للعالم في مسائل التحضر والرقي، وهو لا يفعل ذلك من منطلق التهديد باستخدام القوة الغاشمة في معظم الأحيان، وإنما يعتمد على ما لدى ثقافاته وأوضاعه الحضارية من جاذبية وإغراء للأمم والشعوب الأخرى، كما أنه يعتمد في ذلك على قدرته الفائقة في إيجاد الأزمات
والمشكلات العالمية، وعلى قدرته في التنظير لتلك المشكلات والعمل على معالجتها.

و لا شك أن الغرب يعاني من الكثير من الأزمات على الصعيد الفكري والاجتماعي، لكن تفوّقه الحضاري، وتقدّمه غير المسبوق في البحث العلمي والفلسفي ونجاحه الباهر على المستوى التقني والصناعي... إن كل ذلك قد مكّنه من اختراق (وعي) الشعوب النامية،
وجعل نخبها بالتالي تنقسم على نفسها ما بين مُعادٍ وموالٍ وحائر ومرتبك.
ولهذا فنحن اليوم حين نريد حماية ثقافتنا ومدافعة ثقافات الدول الصناعية المهيمنة والغازية، نجد أننا نستخدم بعض الأفكار والمقولات الغربية في الرد على أفكار ومقولات غربية أخرى، كما أننا نجد أنفسنا منخرطين في حرب ثقافية داخلية بين المتشبّعين بالثقافة الإسلامية وبين المتشبّعين بالثقافة الغربية والمعجبين بنمط الحياة الغربية. إذن ما العمل؟

- علينا أن نعترف أولاً بأن الثقافة الغربية تمارس هيمنة واسعة على مستوى العالم.
- مواجهة الهيمنة الثقافية الغربية لا يمكن أن تتم إلاّ من خلال تقوية ثقافتنا الإسلامية، وهذه التقوية تشتمل على النقد الذاتي لأوضاعنا الثقافية السائدة، كما تشتمل على تحسين مستوى إنتاجنا الثقافي.
- علينا أن نعترف أن معرفتنا بحقيقة الثقافة الغربية ورمزياتها ستظل محدودة، وذلك لأنّ المعرفة الجيدة لها تتطلب فيضاً من البحوث العلمية المتقنة، وهذا ما لا نملك الإمكانات للقيام به في الوقت الراهن.

- دراسة المشكلات التي تعاني منها الثقافة الغربية تُشكِّل ركيزة من ركائز مدافعتنا لها، والحقيقة أن الغرب فقد الإطار الذي يوفره الإيمان بالله - تعالى- وحين يضيع هذا الإطار، يعمى العقل والقلب والبصر والبصيرة، وهذا ما نشاهده لدى الألوف من أصحاب العقول الذكية؛ إذ إنهم بعد أن فقدوا الإيمان صارت رؤيتهم للكون والوجود والمصير الإنساني أشبه بكوكب أفلت من مداره!
- إن الغرب باستدباره للوحي ولرسالات الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- قد فقد المرجعيات والمحطات التي يستمد منها التوجيه، والتي يحكم من خلالها على تصرفاته، وأضرار هذا لا تظهر على نحو جليّ إلاّ إذا تفاقمت الأزمات الاقتصادية، وانكشفت العورات التي كان يسترها الرخاء.
- إذا مشينا في عين طريق التحضر الذي يمضي فيه الغرب، فهذا
يعني أننا حكمنا على أنفسنا بـ(الذيلية) له على نحو مفتوح وأبدي.
- إن جزءاً من مدافعة ثقافته أن نقوم بسلوك طريق مختلف عن طريقه، ومباين له على مستوى الأولويات
الحضارية، وعلى مستوى ترتيب سُلَّم القيم الأساسية.

- نحن في حاجة إلى إستراتيجية ثقافية تُعلي من قيمة الإيمان والنزاهة والاستقامة السلوكية، إلى جانب التركيز على أخلاقيات العمل مثل الإنجاز والجدية والدقة والتعاون والجودة
...
- يُشكّل التعليم الجيد المنطلق لإنعاش أي ثقافة، ومع أن وعي الناس يتحسن بالنسبة إلى هذه المسألة، لكن الملاحظ أن (الحماسة) للتعليم والعطاء على طريقه تتراجع اليوم لدى كثير من المعلمين، كما أن الحماسة للتعلم تتراجع لدى كثير من المتعلمين، وهذا سيجعل كلامنا عن مدافعة ثقافية جيدة شبه مجوَّف!
إن الوعي بما لدينا وبما لدى غيرنا على نحو جيد يُعدّ شرطاً مسبقاً للقيام بأي مدافعة ثقافية جيدة، وهذا ما علينا أن نسعى إليه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

ثقافة و فكر

كيف نقف خلف اللغة العربية؟!

إنَّ المتتبِّعَ لكلِّ من كتَبَ عن وقائعِ أمَّتنا في العصْرِ الحديث، يدركُ أنَّ الأمَّةَ العربيَّةَ لم تَعرِفْ...المزيد