واجب السليم والمعافى نحو المعوق والمصاب:
هذه بعض من الواجبات الشرعية لمن عافاه الله من البلاء، وسلمه من الآفة نحو من ابتلاهم الله بإصابة وإعاقة:
1) أن يشكر الله سبحانه وتعالى ويحمده على العافية، وأن يعلم أن ما ابتلى الله به غيره يمكن أن يبتليه هو به، فإن الله قادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأن ينزل عقوبته بمن يشاء وأن يبتلي من يشاء، وأنه ليس أحد بممتنع عن الله جل وعلا، ولكنه جل وعلا يصيب ويعافي عباده كما يشاء بالخير والشر (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) . (الأنبياء:35)
2) أن يدعو للمبتّلى إذا كان من أهل الدين والتقوى أن يأجره الله ويثيبه ويعافيه وأن يعوضه خيراً مما أخذ منه.
3) العطف على المبتلى، والظن أنه قد يكون عند الله خيراً من غيره ممن عافاه الله، فرب عبد مدفوع على الأبواب لو أقسم على الله لأبره…
4) الإحسان إلى المبتلى، والمسارعة إلى نفعه وإعانته فإن مساعدة المحتاج من أعظم أبواب الخير. وفي معرض الرسول لبيان أبواب الخير قال: "أن تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق " (متفق عليه).
والخرق نوع من الإعاقة العقلية، وأن تصنع له يدخل فيه كل ما يصنع للأخرق من خدمة أو إحسان…
فدلالة الأعمى على الطريق، ومساعدته على معيشته، والقراءة عليه، وتعليم الأصم، والعناية بالمقعد، ونحوهم من أعظم أبواب الخير والإحسان.
5) المريض المعوق في حالة ضعف، وهذه الحالة قد تكون دافعاً لمن وفقه الله سبحانه وتعالى للإلتجاء إلى الله، والطمع فيما عنده، والأمل في التعويض عما فاته في هذه الحياة الدنيا الفانية في الآخرة بالباقية… كما أن شعور السليم الغني بالصحة والعافية، والغنى قد يكون دافعاً للجهول المخذول أن يظن أنه مستغنٍ عن الله سبحانه وتعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) (العلق:6-7).
ومن أجل ذلك يجب أن نستفيد من حالة الضعف التي يتعرض لها الإنسان بالابتلاء، وذلك بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والطمع فيما عنده، بل إن من أعظم حكم البلاء أن الله سبحانه وتعالى يوجه به عباده إليه قال تعالى: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) . (السجدة:21) والعذاب الأدنى هو عذاب الدنيا…
ولا شك أن العمى والصمم والعاهة نوع من العذاب، وقال تعالى في الكفار الذين لم يتعظوا بما أخذهم الله به من الضر: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) (المؤمنون: 76)… وقال سبحانه وتعالى أيضاً: (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) . (الأنعام:42-43) أي هلا إذا جاءهم بأس الله ورأوه في الدنيا تضرعوا ورجعوا إلى الله سبحانه وتعالى، فعلموا أنه ربهم وإلههم ومولاهم، وأنه كما أنه قادر على نفعهم قادر على ضرهم، فاستفادوا من ذلك بالعودة إلى الله ، وطاعة رسله.
فالسعيد من استفاد من دروس البلاء، والشقي من مر عليه البلاء فقال: (قد مس آباءنا الضراء والسراء) . (الأعراف:95) لجعل نزول الضر، كمجيء الخير لا ارتباط له بحكمة الخالق المدبر سبحانه وتعالى.
من أجل ذلك وجب على الدعاة إلى الله أن يكون وجودهم عند البلاء للتذكير بقدرة الرب، ورحمته، وتوجيه القلوب إليه، وانتشال من كتب الله له السعادة من حمأة الكفر، والسخط على الله، أو التمرد عليه، والبقاء في الكفر والعناد مع نزول البلاء.
6) يجب على من عافاه الله سبحانه وتعالى من البلاء الذي ابتلى به غيره ألا ينتقص المبتلى ولا يهزأ به، ولا يغتابه فسب المبتلي بالعمى أو الصمم أو العرج، أو نقص العقل ونحو ذلك كبيرة من الكبائر…
وذكر المبتلى بشيء من ذلك وهو غائب غيبة، لأن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره مما هو متصف به..
وأما إذا كان المعوق معروفاً بهذه الإعاقة وأنها علم عليه لا يتأذى بذكرها فلا بأس أن يعرف بها كما يقال عبدالله بن أم مكتوم الأعمى، وفلان الأعرج، وفلان الأعمش، ونحو ذلك.
واجب الأمة والجماعة نحو المعوق:
1) العناية بالمعوق فرض عين على من تجب عليه كفالته، وفرض كفاية على المسلمين..
العناية بالمعوق والقيام بأمره من فروض الكفايات على الأمة إذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين وإذا لم يقم به أحد كان الجميع آثمين.
فكفالة العميان، والصم، والمشلولين، وسائر المعوقين واجب على مجموع الأمة، كما هو واجبهم نحو الفقراء والمساكين والمعوزين، فكما يجب على الأمة والجماعة سد حاجات هؤلاء يجب علينا كذلك سد حاجات ذوي هذه العاهات وإلا كان الجميع آثمين…
ولا شك أن واجب العناية بكل فرد منهم تقع أولاً على من أناط به الإسلام كفالته، وهم الأصول والفروع.. فالآباء كافلون لأبنائهم لأنهم فروعهم، والأبناء كافلون لآبائهم لأنهم أصولهم، والأقارب، والأرحام يجب أن يكفل بعضهم بعضاً فكما يتوارثون فإنهم يتكافلون…
وعلى كل مسلم أن يقوم بما أوجبه الله عليه في ذلك. ويجب على الأمة والجماعة المسلمة مساعدة كافل العاجز والقائم بشأنه، وخاصة إذا عجز عن كفالته، والقيام بشأنه وخاصة من يحتاجون ويعتمدون في كل شؤونهم على غيرهم كالمشلول شللاً كاملاً الذي يحتاج إلى غيره في طعامه وشرابه، وطهوره، ولباسه وشأنه كله فإن عبء هذا عظيم وثقله كبير على من حوله .