الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إنجيليون في البيت الأبيض

إنجيليون في البيت الأبيض

إنجيليون في البيت الأبيض

الكتاب الذى صدر بالفرنسية للبروفسيور : مختار بن بركة التونسى الأصل والأستاذ فى الحضارة والتاريخ الأمريكى فى جامعة فانسيين بشمال فرنسا والمتخصص فى دراسة الأصولية الإنجيلية .

وقام بترجمته إلى العربية الأستاذ أحمد الشيخ الكاتب والمترجم المصرى ومؤسس ومدير المركز العربى للدراسات الغربية ونشره بعنوان "المسيحية هى الحل" فى إطار اهتمامه بالمسألة الأمريكية حيث يرى أننا نعيش اليوم عصر المسألة الأمريكية ، زمن القوة الأمريكية المنفلتة من عقالها، وهى ليست نابعة من حالة ضعف كالمسألة الشرقية العثمانية أو حالة قلق واضطهاد كالمسألة اليهودية، وإنما نتيجة امتلاك أمريكا قوة لا نظير لها ،ولا تحكمها ضوابط الشرعية الدولية، وتزداد خطورتها يوماً بعد يوم خاصة وأن أصحابها يدعون أنهم مكلفون من السماء بإعادة رسم خريطة العالم ونشر الديمقراطية بقوة السلاح .

ويقدم الكتاب باعتباره الأول من نوعه باللغة الفرنسية والذى يتمتع بطابع البحث العلمى الأكاديمى الذى يرصد ويحلل تيار اليمين النصراني الأمريكى وبرنامجه فى العمل واستراتيجياته لتنفيذ هذا البرنامج.

ويؤكد المترجم أن الكتاب ليس كتاباً فى الدين النصراني وإنما فى الفهم الأصولى الأمريكى للكتاب المقدس ، وهو ليس موجهاً للإنجليين العرب ولا للنصارى العرب ولا يتحرش بالمسلمين، ولكنه محاولة لتقديم الوجه الآخر لأمريكا والتنبيه إلى خطورة الأصولية النصرانية فى أمريكا.
أما المؤلف فيشير فى مقدمته إلى تطور دور الدين فى الحياة السياسية الأمريكية حديثاً منذ ترشخ "جون كيندى" الكاثوليكى وأول رئيس كاثوليكى لأمريكا ومروراً بإنجاح المعمدانى الواعظ " جيمى كارتر" الذى أعاد البروتستانت المحافظين للتصويت بشكل كثيف وجماعى عندما أعلن عن عقيدته المسيحية الملتزمة كحجة لتأييده فى حملته الانتخابية ولكن ابتعد عن الأصولية بعد ذلك .

ومنذ ذلك التاريخ ظهرت قوة "اليمين المسيحي" التصويتية كقوة تعبوية فرضت على التشكيلات السياسية الكبرى التنسيق معها وبعد أن قدم دعماً حاسماً لرونالد ريجان فى حملتيه 1980 ، 1984 احتل اليمين المسيحي الجناح اليمينى للحزب الجمهورى،وظهر هذا بجلاء فى حملتى "بوش الإبن" عام 2000 ، 2004 وأصبح حضور الإنجليين فى البيت الأبيض مؤشراً إضافياً على النفوذ الواضح لليمين المسيحى على الأوساط السياسية الأمريكية، وكان تعيين "جون أشكروفت" وزيراً للعدل دليلاً على مدى هذا النفوذ.

هذا التيار الآن ينزل بثقله فى الانتخابات ويشكل قوة حسم فى بعض الولايات وصار اليوم فاعلاً سياسياً وقوة انتخابية لا يمكن تجاهلها، وبالإجمال كما يقول المؤلف " إن كل شيء يدعو إلى الإعتقاد بأن اليمين المسيحي جاء ليبقى، ولهذا يستحق أن يؤخذ بجدية" .

ويقول : " هدف الكتاب الرئيسى هو تقديم تفكير موضوعى وعلمى حول قضايا متنوعة تسم العلاقات بين اليمين المسيحى والمجتمع الأمريكى بكامله، عبر تطوره التاريخى والاجتماعى والسياسى بدلاً من أن يحكم عليه بصورة عامة وانطلاقاً من أحكام مسبقة ومتسرعة " .
اكتسب التيار اليمينى المسيحى الأصولى الأنجيلى أهمية كبرة بعد أحداث 11 سبتمبر واللغة الأصولية التبشيرية التى استخدمها الرئيس جورج بوش الإبن.

ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول ، يبدأ الأول بإيضاح العلاقات بين السياسى والدينى فى الولايات المتحدة وإلقاء نظرة على أصوله التاريخية وخصائص وتطوراته فى تعريف شامل به .

أما الفصل الثانى فيحدد الهوية الأنجيلية وأشكالها المتنوعة لفهم الأصول الأنجيلية تحديداً أصولية اليمين المسيحية ويقوم فيه المؤلف بتحليل الخريطة الاجتماعية للإنجيليين فى شمال أمريكا.

فى الفصل الثالث يتناول المؤلف بالتحليل برنامج اليمين المسيحى الاستراتيجيات المتنوعة التى يستخدمها لتنفيذ المطالب التى يدعوا إليها وهو أهم الفصول .

يهتم المؤلف فى الفصل الرابع بالعلاقات بين إدارة بوش الإبن واليمين المسيحى مع التركيز على نزعة بوش الدينية ودور الإنجيليين الذين دخلوا بلاط البيت الأبيض لأول مرة فى إدارته .
ثم يقوم المؤلف فى الفصل الخامس والأخير ردود الأفعال التى أثارها ظهور هذا التيار مع تقييم مثير لنشاطه السياسى والاجتماعى لإدراك حدود قوته التى يرى المؤلف أنها لم تصل لتحقيق مآربها ولا أهدافها حتى الآن وفشلت فى إحداث تغيير حقيقى بسبب تصدى القوى المناوئة خاصة فى المحكمة العليا الأمريكية.

و يخلص المؤلف "بن بركة" ألى : أن صعود الأصولية النصرانية عبر أربعة عقود مؤخراً لم يكن له كبير تأثير وأن تأثيرهم ونفوذهم لم يصل بعد إلى تعديل الدستور ليتواءم مع نصوص الكتاب المقدس، وأن صراعاتهم ومواقفهم فى القضايا الاجتماعية لم تحقق نجاحات كبيرة باستثناء محاربتهم للإجهاض، وأن المجتمع المسيحى الذى يحلمون به يظل فى النهاية مجرد أمنية.

بقي أن نقول : إن الكتاب عرض جيد لحياة الأمركيين السياسية والثقافية وتغلل النصراية فيهم ، وقد اشتمل على إحصائيات موثقة ، ومعلومات دقيقة ، لا يتسع المجال لعرضها ، وهو حري بأن يقرأ .

وهو الآن موجود بالمكتبات بترجمته العربية ، بعد صدوره عن المركز العربي للدراسات الغربية .
____________
المصريون(30/6/2008م) بـ"تصرف"

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

ثقافة و فكر

كيف نقف خلف اللغة العربية؟!

إنَّ المتتبِّعَ لكلِّ من كتَبَ عن وقائعِ أمَّتنا في العصْرِ الحديث، يدركُ أنَّ الأمَّةَ العربيَّةَ لم تَعرِفْ...المزيد