استغلت إسرائيل ضربة 11 سبتمبر الماضي إلى حدها الأقصى ، ولعبت على حاجة أمريكا في حملتها لمكافحة " الإرهاب " لتنشيط دورها الإقليمي ، فاندفعت قوات " إرييل شارون " إلى عمق الأراضي الفلسطينية ، وعزلت المدن وقصفتها ، وأبدت استعدادها للمشاركة إلى جانب القوات الأمريكية في حربها ضد تنظيم "القاعدة " في أفغانستان ، فإسرائيل لم تكتف بربط القضية الفلسطينية بشبكات الإرهاب وتحويلها من مسألة سياسية إلى مسألة أمنية ، بل جرفت معها كل المبادرات الدولية (والأمريكية أيضـًا) التي تنص على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته ، مستفيدة من مسايرة واشنطن لـ " شارون " في حربه الخاصة ضد السلطة الفلسطينية .
في المقابل تأرجح موقف الانتفاضة بين تفاؤل بوجود حل ما مضطرة له واشنطن لإرضاء الدول العربية وكسبها في الفترة المقبلة وبين تشاؤم عبرت عنه تصريحات أمريكية رفضت الربط بين فلسطين ودولتها وأفغانستان وإرهابها ، وانتهى التأرجح إلى تضييق حلقة الحصار على رئيس السلطة " ياسر عرفات " وإعلان " حماس " و " الجهاد " عن وقف عملياتهما العسكرية حرصـًا على وحدة الشعب الفلسطيني ، وقطعـًا للطريق أمام الهجمة الشارونية المدعومة أمريكيـًا .
أعادت المأساة الفلسطينية فتح باب النقاش حول جدوى الحوار مع دولة تأسست سياستها على العدوان ، وكذلك ذكرت مجددًا بمخالفات إسرائيل للمواثيق الدولية ونجاحها الدائم في كسر الحصار العربي وتحويله إلى سلاح عديم الفائدة .
كيف تم الأمر ؟ ولماذا النجاح هو نصيب المعتدي والفشل هو نصيب المعتدى عليه ؟ هنا ملف يختصر مجموع المخالفات الإسرائيلية ، وهو يضع مسألة " حوار الحضارات " أمام امتحان الوقائع ومدى صلاحية الحوار (الصلح) شرط أن تلتزم كل الأطراف بتوازن المصالح و " الشرعية الدولية " .
هل يمكن استثناء الصراع العربي - الإسرائيلي من قاعدة حوار الحضارات ؟ فلكل قاعدة استثناء وتشكل القضية الفلسطينية وتداعياتها - منذ قرن تقريبـًا - تلك الحال المختلفة عن قانون الحوار .
هذه النتيجة تحتاج إلى برهان ، وهو ما نجده ليس في التاريخ والجغرافيا وحقوق الإنسان فقط ، بل في مختلف الأوجه والمستويات الدولية والقانونية والخلقية.
إسرائيل في أساسها دولة مخالفة ، فهي ادعت ملكية أرض لا سند قانونيـًا لها ، وادعت أن تلك الأرض خالية من البشر لبشر لا يملكون أرضـًا ، وادعت أن ظلمـًا وقع عليها في فترة لم تكن موجودة في المنطقة ، وادعت أن من حقها استدعاء ناسها إلى أرض غيرها رافضة عودة أهل الأرض بذريعة أن مساحتها لا تتسع لعدد كبير من السكان .
لم تقتصر مخالفة إسرائيل لقواعد اللعبة على شؤون الحق والعدالة والإنسانية ، بل هي الآن الدولة الوحيدة المخالفة لكل القرارات الدولية وشرعية الأمم المتحدة والمواثيق والمعاهدات الموقعة من دول العالم ، فالمخالفة الإسرائيلية شاملة لكل الساحات السياسية والمساحات القانونية ، فقبل تأسيسها رفضت كل محاولات التسوية (الظالمة في جوهرها للشعب الفلسطيني) التي أقدمت عليها بعثات عصبة الأمم في الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ، وهي أحبطت كل المبادرات الدولية أو الثنائية التي لجأت إليها دولة الانتداب آنذاك - بريطانيا - ، وهي أفشلت كل مشاريع لجان التقصي الدولية أو الأمريكية ، مستخدمة العنف والإرهاب ضد الرموز التي تجرأت على كشف الحقيقة .
وحين تأسست الدولة الإسرائيلية استمرت في سياسة المخالفة ، فهي رفضت تطبيق قرار التقسيم الدولي رقم (181) - الظالم في أساسه - مستخدمة القوة لاحتلال أجزاء من أراض تابعة للجزء الفلسطيني من قرار التقسيم ، وأرفقت رفضها بعدم الموافقة على القرار الدولي رقم (194) القاضي بعودة المهجرين الفلسطينيين إلى أرضهم واستمرت على رفضها على رغم تأكيد الأمم المتحدة لمدة تزيد على 50 سنة على ضرورة التزام إسرائيل بذاك القرار .
وبعد حرب السويس - العدوان الثلاثي على مصر - انسحبت إسرائيل من سيناء تاركة بعض الجيوب البرية والبحرية تحت سيطرتها في شرم الشيخ وجزر مضيق تيران .
وقبل حرب يونيو 1967م رفضت إسرائيل الاستجابة للدعوات الدولية بعدم تحويل روافد نهر الأردن ضاربة عرض الحائط بكل مشاريع التسوية التي اقترحتها (ضمن معادلة توازن المصالح) الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ، محذرة من خطورة اندلاع حرب مياه على مصادر الطاقة المائية ، إلا أن تلك الدولة خالفت كل المبادرات الدولية ، ولجأت إلى تحويل الروافد مستندة إلى تحالفات دولية عسكرية تعطيها الأفضلية في تقرير استراتيجية خطيرة من طريق القوة .
وبعد حرب يونيو تحايلت إسرائيل على القرار الدولي الرقم (242) ، ولجأت إلى استخدام شبكة علاقاتها الدولية والأمريكية لتبرير الاحتلال واستمراره ، مستخدمة تكتيكات المقايضة بين الأرض والبشر للتهرب من قبول الحل العادل للقضية الفلسطينية .
وقبل حرب أكتوبر 1973م ، اتبعت إسرائيل سياسة الضغط العسكري على جيرانها ، مستخدمة تفوقها الجوي المدعوم أمريكيـًا لإرهاب الدول العربية المجاورة ، فارتكبت سلسلة مجازر في جنوب لبنان ومطاره ، وفي الأردن وغوره ، وفي القاهرة ومدن مصر ، أي أن إرهاب إسرائيل انتقل للمرة الأولى من فلسطين (دير ياسين ، كفر قاسم ، والقبية .. وغيرها من مذابح أسفرت عن تدمير أكثر من 400 قرية) إلى الدول العربية في محاولة لفرض قانون التهجير السكاني تمهيدًا للاستيلاء على الأرض .
وبعد حرب أكتوبر تحايلت إسرائيل مجددًا على القرار (338) القاضي بتطبيق القرار (242) فماطلت وماطلت ولا تزال حتى يومنا .
وقبل اجتياح لبنان في يونيو 1982م واصلت إسرائيل مخالفة القرارات الدولية الصادرة في الأعوام 1947م و 1967م و 1973م ، رافضة عودة المهجَّرين الفلسطينيين والانسحاب من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة ، ولجأت إلى سياسة فرق تسد على المستويين العربي (عزل مصر عن محيطها) واللبناني (اللعب على تناقضات الحرب الأهلية) مستفيدة من مخاوف التوطين لتمرير سياسة تدمير الدولة وتصديع الثورة الفلسطينية من طريق حرفها عن أهدافها الاستراتيجية .
وتمكنت إسرائيل في تلك الفترة القلقة الفاصلة بين حرب 1973م واجتياح 1982م من عزل مصر عن محيطها العربي في مقابل الانسحاب المشروط من سيناء ، واستغلال الانقسام الأهلي اللبناني للدخول إلى الجنوب وإقامة " الشريط الحدودي " في مارس 1978م ، وأخيرًا ضرب المفاعل النووي العراقي بذريعة أنه يشكل خطرًا على وجودها بعد عشر سنوات .
فإسرائيل المخالفة لكل الشرعية الدولية نجحت في توظيف اتصالاتها وعلاقاتها المميزة لتحسين شروط التفاوض ، وإذلال الدول العربية من خلال تدخلها في شؤونها سياسيـًا وعسكريـًا ، فبعد ضرب المفاعل العراقي وعزل مصر اتسعت مهمات إسرائيل ، وبدأت تتداخل في تقرير مصير صفقات تسلح وتضع شروطها عليها ، كما حصل مرارًا مع السعودية ودول الخليج بذريعة أنها تعرض أمنها للخطر .
وباجتياح لبنان في عام 1982م وتدمير بناه التحتية واحتلال عاصمته وسرقة آثاره امتدت دائرة الأمن الإسرائيلي ، التي بدت أن حدودها من دون حدود ، مستخدمة بذلك صلاتها الدولية للضغط على دول مثل إيران وباكستان والسودان والجزائر ، لفرض رقابة على موازناتها العسكرية بذريعة أن تلك الموازنات تشكل خطرًا مستقبليـًا على أمنها ، في وقت انكشفت فيه ترسانتها النووية وصواريخها العابرة التي تطال معظم الدول العربية والإسلامية المحيطة مباشرة وغير مباشرة بها .
وباجتياح لبنان في 1982م أضافت إسرائيل إلى مخالفاتها السابقة للقرارات الدولية جملة مخالفات جديدة بدءا بالتدخل في شؤون البلاد الوطنية وتنفيذ مجازر صبرا وشاتيلا ، وصولاً إلى رفضها الاستجابة للقرار الدولي رقم (425) القاضي بانسحابها من لبنان وجنوبه .
وقبل اندلاع حرب الخليج الثانية في العام 1991م استخدمت إسرائيل كل أساليب الخداع الدبلوماسية والسياسية للتحايل على القرارات الدولية ، رافضة تنفيذها ، على الرغم من خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان التي تذرعت بوجودها لاحتلاله .
وحين اندلعت حرب الخليج الثانية ، وظفت إسرائيل الانقسام العربي لتحقيق استراتيجيتها العسكرية القاضية بإضعاف قوة الردع العربية ، واستغلال حاجات واشنطن لتقديم نفسها القوة الضاربة الوحيدة في المنطقة التي تستطيع تلبية المشروع الأمريكي في الدائرة الشرق أوسطية الممتدة بحسب المفهوم الإسرائيلي إلى إيران ودول آسيا الوسطى وباكستان ، فضغطت باتجاه تحديث ترسانتها الصاروخية وتوسيع مدى صواريخها ليشمل عشرات المدن العربية والإسلامية من حدود تونس إلى جنوب روسيا ودول شرق أوروبا وجنوبها الواقعة في القسم الشرقي من البحر المتوسط .
وحين حاولت واشنطن احتواء الطموحات الإسرائيلية بإدخالها في منظومة الشرق الأوسط على قاعدة تنفيذ القرارات الدولية ، خالفت كل التوجهات وتمسكت بحصتها التي تزيد بمقدار كبير على وزنها وحجمها ودورها .
وحين اضطرت إلى المشاركة في مفاوضات مدريد ، لجأت إسرائيل إلى سياسة التحايل على القرارات الدولية ، مستفيدة من الانقسام العربي واختلال الميزان العسكري مجددًا لمصلحة استمرار احتلالها ، وفي وقت كانت واشنطن ترى في نتائج حرب الخليج الثانية وتفكك الاتحاد السوفيتي مناسبة لتمرير السلام ، وجدت إسرائيل أن فرصتها تجددت ، كحليف استراتيجي للولايات المتحدة ، لإخضاع المنطقة ، متوسلة قوتها للضغط على الدول العربية وكسر القرارات الدولية وتعطيلها .
وانتهت مفاوضات مدريد إلى حائط مسدود ، ورفضت الاستجابة للمطالب الأمريكية القاضية بوقف الاستيطان والانسحاب من الأراضي العربية والفلسطينية .
ولم تكتف إسرائيل بهذا القدر من المشاكسة ، بل إنها نقلت ثقلها السياسي من الشرق الأوسط إلى أمريكا ، ضاغطة على البيت الأبيض من خلال علاقاتها القوية مع الكونغرس ، فإسرائيل في هذا المعنى مارست سياسة الضغط المتبعة ضد الدول العربية ضد حليفها الاستراتيجي في العالم ، الأمر الذي كشف عن مدى ضعف الإدارة الأمريكية وهزال سياستها في دائرة الشرق الأوسط .
ونجحت إسرائيل في الانتقال من مبدأ اللعب بالتناقضات اللبنانية أحيانـًا ، والتناقضات العربية أحيانـًا أخرى ، إلى اللعب بالتناقضات الدولية وتحديدًا التناقضات الأمريكية الداخلية ، مستغلة المشاعر الموروثة من الحرب العالمية الثانية والسياسة النازية ضد اليهود والأقليات الأوروبية الأخرى .
أدركت أمريكا آنذاك (انتخابات 1992م الرئاسية) أن إسرائيل تحولت من قوة معزولة في الشرق الأوسط إلى قوة مهيمنة ، ليس على السياسات الأمريكية في المشرق العربي فحسب ، بل إن طموحاتها تفوق المعقول ، فهي تريد السيطرة على السياسات الخارجية لإدارة البيت الأبيض .
وبانتقال الرئاسة من الجمهوري إلى الديمقراطي ، نجحت إسرائيل في شراء الوقت والدخول مجددًا في استراتيجية المخالفة للقرارات الدولية التي أصبحت قرارات أمريكية بعد اختفاء الاتحاد السوفيتي من الخريطة السياسية .
في فترة " كلينتون " جددت إسرائيل لعب دور المشاغب في استراتيجية أمريكا الدولية ، من خلال تحسين علاقاتها مع جنرالات تركيا لتوسيع مجالها الجوي ، والضغط على إيران والعراق وسوريا ، وتهريب التقنيات والتكنولوجيا المتطورة ، في مقابل اتباع " بكين " سياسة متوازنة بشأن القضية الفلسطينية ، إضافة إلى تدخلها في شؤون البلقان بدعم الصرب ، وتحسين علاقاتها الصاروخية والنووية مع الهند لتطويق باكستان ، وصولاً إلى سرقة أسرار الصناعات العسكرية في الولايات المتحدة ، ومراقبة خطوط هاتف البيت الأبيض ، وليس أخيرًا تطويق الرئيس الروسي السابق "يلتسين " بمجموعة من المستشارين والممولين لإنهاك الدولة والضغط على موسكو لعدم تزويد الدول العربية بالسلاح الحديث والمتطور .
وحتى حين اضطرت تل أبيب إلى الدخول في مفاوضات ثنائية وجزئية - أوسلو ووادي عربة - لجأت إلى مخالفة القرارات الدولية شرطـًا للتسوية ، فالتسوية عندها تقوم على فكرة الغلبة وموازين القوى ، ومفهومها للسلم لا يأخذ العدالة في الاعتبار مقياسـًا لتوازن المصالح ، بل قوة الغالب والمغلوب في معادلة الصراع ، فإسرائيل لم تعد تشاغب على الدول العربية وتعطل إمكاناتها وتستنزف قواها فحسب، بل وسعت من دائرة اهتماماتها فانتقلت إلى الدائرة الإسلامية والدول الإفريقية المحيطة بالدول العربية ، متحولة بذلك من مخالف للقوانين الدولية ، إلى مشاغب على الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ، إضافة إلى مخالفتها للقوانين الأمريكية الداخلية ، فالخطر الإسرائيلي الآن امتد شرقـًا وغربـًا ، وبات على الدول المتضررة منها المساعدة على التخفيف من طموحاتها الإقليمية حتى لا تصل غدًا إلى عمق آسيا وأوروبا .
الاستثناء عن القاعدة
والسؤال : كيف توصلت إسرائيل إلى هذه القوة المتنامية والمشاغبة والمخالفة للحقوق والقوانين والشرعية الدولية ؟
في عودتنا للسلوك الإسرائيلي نستطيع أن نلتقط الخيط المتعرج في سياستها الدولية والإقليمية ، ففي البداية لجأت الصهيونية إلى بريطانيا مستفيدة من حاجتها المالية في الحرب العالمية الأولى ، فانتزعت " وعد بلفور " في 1917م ، الذي قال بضرورة قيام وطن لليهود في فلسطين ، فأخذت الصهيونية الوعد البريطاني وخالفته حين انتقلت من فكرة الوطن التي رعاها الانتداب البريطاني في فلسطين (مستوطنون واستيطان) إلى فكرة الدولة التي رعتها الولايات المتحدة ، حين قررت الحكومة البريطانية ترك فلسطين بناء على " قرار التقسيم " الذي أصدرته الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، فالفكرة الاستيطانية بدأت بوطن في الحرب العالمية الأولى، وانتهت بدولة بعد الحرب العالمية الثانية ، الأولى قادتها لندن ، والثانية قادتها واشنطن.
وحين تأسست الدولة دخلت إسرائيل على خط تخريب العلاقات العربية - الدولية ، مستغلة أي خلاف مصالح ينشأ بين الدول العربية وأوروبا الغربية وأمريكا ، فمثلاً حين اختلفت مصر (عبد الناصر) مع بريطانيا وفرنسا على ملكية قناة السويس، دخلت تل أبيب على خط النزاع وشاركت باحتلال سيناء في " العدوان الثلاثي " مستفيدة من الدعم المالي واللوجستي لتحسين آلتها الحربية لتخويف الدول العربية .
وحين دعمت الدول العربية الجزائر في حرب استقلالها ضد فرنسا (الديغولية)، انتهزت إسرائيل الفرصة فدعمت فرنسا في حربها ضد الجزائر ، وحصلت منها على المفاعل النووي ، وعززت أسطولها الجوي بسلاح طيران متطور (ميراج) .
وحين قرر الجنرال " ديغول " قطع الإمداد العسكري لإسرائيل بعد حرب يونيو 1967م ، انتقلت فورًا إلى دعم السياسة الأمريكية ضد أوروبا في المنطقة العربية ، مستفيدة من تقنياتها العسكرية في فترة كانت واشنطن متورطة في حرب المستنقعات في فيتنام .
وحين قررت الأمم المتحدة مقاطعة النظام العنصري في جنوب إفريقيا ، تحالفت تل أبيب معه مخالفة بذلك الشرعية الدولية ، مستفيدة من حاجة النظام العنصري إلى حليف مشابه له في المنطقة العربية .
وبالتعاون مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا ، طورت إسرائيل ترسانتها النووية والصاروخية ، وأجرت سلسلة تجارب مشتركة في صحراء ناميبيا ، على الرغم من استنكار دول العالم لمخالفاتهما الثنائية .
وحين اختلفت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي على مسألة حقوق الإنسان ، دخلت تل أبيب على الخط ، مستخدمة نفوذها المالي والإعلامي وضغطت بواسطة واشنطن على موسكو لتسهيل خروج اليهود السوفيت في مقابل السكوت عن مسألة حقوق الإنسان ، مختزلة قضية حقوق الإنسان في نقطة واحدة وهي فتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين .
فإسرائيل المخالفة للقانون الدولي كانت تبني استراتيجيتها الإقليمية وفق التحالف مع القوة الدولية الكبرى لتنفيذ سياسات تعزز من قوتها العسكرية التي استخدمتها دائمـًا لحماية احتلالها وشغبها الدائم على المصالح العليا للدول الكبرى في المنطقة ، فالمخالفة الدولية تعايشت في السياسة الإسرائيلية مع تكتيكات متلونة تتأرجح بين هذه الدولة الكبرى وتلك ، مستفيدة من حاجاتها المؤقتة لتعديل ميزان القوة لمصلحتها ، فالمخالفة تعايشت مع اللعب على التناقضات الدولية ، سواء كانت بين دولة أوروبية وأخرى ، أو بين أوروبا وأمريكا ، أو بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، وأخيرًا بين الصين وأمريكا وبين الهند وباكستان ، وبين روسيا والصرب في البلقان .
إلى ذلك استفادت تل أبيب كثيرًا من تعدد الدول العربية والإسلامية واختلاف مصالحها وحاجاتها وسياساتها الخارجية ، مستغلة أحيانـًا خلافات لها صلة بالحرية والاستقلال، كما حصل مراراً في الجزائر أو السودان أو اليمن ، فتأخذ موقع القوي المعادي للعرب والمسلمين ، لتحسين قوتها العسكرية واستخدامها في حروبها الخاصة والإقليمية ضد الدول العربية والإسلامية .
وتكرر الأمر مع بريطانيا في مطلع القرن ، وفرنسا وبريطانيا في الخمسينيات والستينيات ، وجنوب إفريقيا في السبعينيات والتسعينيات ، وأخيرًا مع أمريكا منذ السبعينيات وحتى يومنا هذا .
والآن وبعد هجمات 11 سبتمبر نجد إسرائيل تستخدم تلك الانتهازية الدائمة لتمرير مخالفتها للشرعية الدولية وقراراتها ، من خلال كسر الاتفاقات المهزوزة (والظالمة في كل الحالات) مع منظمة التحرير ، مستفيدة من حال الفراغ السياسي الناجم عن حرب الولايات المتحدة على شعب أفغانستان .
فإسرائيل استغلت وتستغل كل حادث في العالم لربط نفسها بمنظومة العلاقات الدولية وتوظيفها لخدمة مصالحها الإقليمية ، وتعزيز قوتها العسكرية ، في وقت تقوم هي فيه بمخالفة القرارات الدولية وشرعية الأمم المتحدة ، فدائمـًا إسرائيل هي الاستثناء .. الاستثناء في كل المجالات والحقوق والسياسات ، فهي دولة مخالفة منذ تأسيسها (قرار التقسيم) وقبل تأسيسها (وعد بلفور) وبعد تأسيسها (حرب يونيو واحتلال الأراضي العربية) ، وكذلك ينطبق الأمر على ما قبل انسحابها من جنوب لبنان ، وما بعد انسحابها ، فالمخالفة هي نهج إسرائيل الدائم ، سواء كانت مخالفة جزئية أو كلية للقرارات والشرعية الدولية ، وهذا ما يمكن ملاحظته في تكتيكاتها اليومية سواء في مجزرة " قانا " جبل عامل في عام 1996م أو في مجزرة بيت ريما في عام 2001م .
والاستثناء لا يقاومه إلا الاستثناء ، ومن يستثني نفسه من كل المعادلات الدولية ويتجرأ على المشاغبة على كل الاستراتيجيات وتوازن المصالح والشرعية الدولية، يجب أن يستثنى من قاعدة "حوار الحضارات " والتعارف بين الشعوب .
- الكاتب:
وليد نويهض - التصنيف:
قراءات وتحليلات